عرض المقال
«الرسالة» وأوان الاعتذار
2012-10-27 السبت
كنت أضرب كفاً بكف كلما ضغطت على زر الريموت فوجدت فيلم «الرسالة» يحتل معظم القنوات العربية الفضائية مندهشاً من حال المسلمين والعرب الذى يدعو المرء إلى الجنون، كيف هوجم الفيلم أبشع هجوم وكيف سب المخرج أفحش سباب؟!، والآن وياللعجب لا يجدون أفضل منه وسيلة فنية لعرض بدايات الإسلام!!، همست لنفسى فعلاً لا يصح إلا الصحيح، فيلم «الرسالة» خير نموذج لإثبات أن الحقيقة تظهر ولو بعد 35 سنة هى عمر الفيلم منذ إنتاجه 1977، الحقيقة تظهر برغم ضباب التكفير وغلوشة الهجوم وزوابع الإخراج من الملة واحتكار الدين، تخيلوا الجيش الأمريكى لم يجد إلا فيلم الرسالة لتعريف جنوده بالإسلام، وقناة السى بى سى عندما أرادت الرد على الفيلم المسىء بحثت فى الأرشيف فلم تجد أفضل وأجمل من فيلم الرسالة الذى اغتيل مخرجه مصطفى العقاد غدراً، هذا هو فن السينما ياسادة، نبوءة على شريط سينمائى وخيال يتجسد لقطة وكادراً، وهاهو الفيلم الذى اغتيل بأيدى من يتخيلون أنفسهم أوصياء على الدين يصبح هو الوثيقة الوحيدة التى يحتفلون من خلالها بأعيادهم!. يقول العقاد مخرج الفيلم: «فى فيلم «الرسالة» واجهتنا صعوبة فى الكشف عن وجوه كل من الرسول وخلفائه الراشدين ولم نستطع إظهار صورهم، ولا أصواتهم، ولا حتى ظلالهم طوال أحداث الفيلم لما فى ذلك من حساسية عند جمهور المسلمين، وبالتالى كانت ثمة صعوبة فى وضع شخصية محورية فى السيناريو يتتبعها المشاهد، وخاصة الغربى المعتاد على بطل فى أفلامه، فما كان علينا إلا أن اخترنا حمزة ولكنه قتل مبكراً فى معركة أحد ليترك لنا فراغاً» ولكن هل تركه الشيوخ ورجال الدين فى حاله ورضوا بظهور حمزة؟، بالطبع لا، هوجم الفيلم حتى منع من العرض على شاشات السينما العربية وطورد مخرجه فى أماكن التصوير فترك المغرب وذهب إلى ليبيا حتى يستطيع تكملة الفيلم، وامتد المنع بسبب حمزة ليتجاوز إلى منع العصا والظل عند دخول الرسول بناقته إلى يثرب! بعد قراءة السيناريو الذى كان مشاركاً فيه عبدالرحمن الشرقاوى وتوفيق الحكيم أصدر د.عبدالحليم محمود شيخ الأزهر حينذاك بياناً قال فيه، ومعه مجمع البحوث الإسلامية: نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان محمد رسول الله أو أى فيلم يتناول بالتمثيل على أى وضع كان، شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة -رضى الله عنهم- وعلل بيان الأزهر رفضه القاطع والمبدئى للفيلم أو للأفلام المماثلة، بأن ذلك يحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة فى نظر المسلم، لعدة أسباب.. أولها: أن خلق الممثل -مهما يكن هذا الممثل فاضلاً- لا يدانى خلق الشخصية التى يمثلها لصحابى.. . فما بالنا بما يعرف من خلق الممثل؟، إضافة إلى أن السيناريو- مهما يكن دقيقاً- يدخل فيه الاجتهاد، وفق ثقافة العاملين بالفيلم.. ثم إن دار العرض هى مكان للهو فكيف يعرض فيها عمل دينى؟ ودعا البيان حكام المسلمين وولاة أمورهم بل الأمة كلها لإيقاف العمل بهذا الفيلم!واستجاب الملك الحسن الثانى ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم على أرض المغرب! كما كان مقرراً، ولهذا فقد استكمل التصوير فى ليبيا كما نشر فى جريدة القاهرة منذ سنتين، لكن إحقاقاً للحق لم يرفضه الشيخ الشعراوى أو الشيخ الباقورى، فبالنسبة للشيخ الشعراوى، بعد الانتهاء من التصوير، أرسلت نسخة إلى مصر عام 1977 للاطلاع عليها وإبداء الرأى، وفى أكاديمية الفنون كان الشيخ الشعراوى وزير الأوقاف آنذاك يشاهد نسخة من الفيلم فى عرض خاص مع رجال الدين والصحافة والفن، وصرح بعد العرض أنه معجب بالفيلم، مع إجراء عدد من التغييرات عليه، تمثل بعض الأخطاء التاريخية البسيطة، وصل عددها إلى أربع ملاحظات فقط، وبالنسبة للشيخ الباقورى، فقد أصدر فتوى رسمية يقول فيها: (لا أستثنى من الظهور فى أعمال فنية إلا شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-.. أما الصحابة فلا مانع من ظهورهم إطلاقاً ما دامت هناك إمكانات تضمن ظهورهم بشكل لائق بمكانتهم، وما دام العمل نفسه جيداً وما دام اختيار الممثل دقيقاً، فلا يوجد نص فى القرآن، أو فتوى فى الشريعة تمنع ظهور شخصية صحابي- مهما يكن قدره- فى عمل فنى؛ لأن شخصية أى صحابى عاشت الحياة الإنسانية بكل ما فيها.. ويمكننا أن نختار من حياتهم ما يدعم الدعوة الإسلامية).هذه قصة فيلم أراد الجميع وأده وإجهاضه عندما كان جنيناً ومجرد فكرة وما إن تجسد ونضج وصار رجلاً مدافعاً شديداً قوياً يافعاً لجأ إليه فقراء الخيال ليحميهم ويشرح ما لا يستطيعون شرحه للعالم، هكذا نحن دائماً عباقرة فى اغتيال عباقرتنا.